قصة الشيخ الحكيم:
في قديم الزمان، كان هناك شيخ حكيم يُعد من كبار مشايخ القبائل. كان يعيش في قبيلة معروفة بالحكمة والشجاعة، وكان ذا بصيرة نافذة في تدبير شؤون القبيلة. رزق الشيخ بأربعة أبناء، جميعهم ذكور، وكان يحبهم جميعًا ويحسن إليهم. ومع تقدمه في السن، شعر بأن أيامه في الدنيا قد اقتربت، وبدأ يفكر في كيفية تقسيم إرثه بشكل عادل بين أبنائه.
لقد عُرف الشيخ بالحكمة والعدالة، وكان يعلم أن الميراث إن لم يُقسَّم بالعدل فإنه قد يسبب نزاعات بين الأبناء. لذلك، قرر أن يوزع الميراث بشكل متوازن، ولكن بطريقة تحمل دلالات ومعاني عميقة تُبقي على وحدة الأسرة وتجنب النزاعات بين أفرادها. فطلب من خادمه أن يحضر أربعة صناديق، فوضع في كل صندوق شيئًا معينًا، ثم كتب اسم كل ابن على صندوقه، وهذه الأمور فعلها الشيخ من دون أن يراه أحد ، بعد أن انتهى من ترتيب الصناديق.
حكمة الشيخ في تقسيم الميراث:
كان الشيخ يعلم أن لكل ابن مواهبه وقدراته الخاصة التي تتناسب مع نصيبه من الميراث. فكان يعتقد أن الميراث يجب أن يعكس تكليفات الأبناء، بحيث يكون كل ابن قادرًا على استثمار ما هو مُقسم له. وهكذا، قام بوضع محتويات الصناديق بعناية فائقة.
- في صندوق الابن الأكبر وضع السيف والخاتم والراية، وهي رموز القيادة والشجاعة، وكان الشيخ يعتقد أن هذا الابن هو الأنسب لقيادة القبيلة بعده.
- أما في صندوق الابن الثاني وضع الرمل والحجارة، ليُعهد إليه مسؤولية الأرض والعقارات، فقد كان يعرف أن هذا الابن يمتلك قدرات في إدارة الممتلكات.
- في صندوق الابن الثالث وضع العظام، وهي رموز للمواشي، وأراد الشيخ لهذا الابن أن يكون المسؤول عن رعاية الثروة الحيوانية في القبيلة.
- أما في صندوق الابن الأصغر، وضع الذهب والفضة، وهي رموز للثروة المادية، ولكنه كان يعلم أن هذا الابن قد يواجه تحديات في إدارة المال على المدى البعيد.
الوصية العميقة للشيخ:
بعد أن أكمل الشيخ ترتيب الصناديق وكتب أسماء أبنائه عليها، جمع الشيخ أبناءه فقال لهم يا أبنائي ، كل ما في هذه الدنيا زائل و لا يدوم ،إلا تلاحمكم وتعاونكم. وقد قسمْتُ بينكم بالعدل في هذه الصناديق ، وأوصاهم بالا يفتح الصناديق إلا من بعد وفاته، وأمرهم إذا اختلفوا أن يلجأوا إلى قاضي -معروف بحكمته- ودعى لهم بالتوفيق والهداية والسداد ، انتهى كلامه الشيخ .
لم يمضي وقت طويل حتى توفي الشيخ، فاجتمع الأبناء الأربعة وقرروا فتح الصناديق.
رحلة الأبناء للبحث عن القاضي:
توفي الشيخ بعد فترة قصيرة من وصيته، وعندما اجتمع الأبناء الأربعة في مجلس واحد لفتح الصناديق وتوزيع الميراث، بدأ كل منهم يشعر بحيرة. فبينما كان الابن الأكبر يرى في محتويات صندوقه تركة كبرى وحقًا قياديًا، شعر الابن الأصغر بالضيق لأنه حصل على الذهب والفضة فقط، معتقدًا أنه أقل حظًا مقارنةً بإخوته.
بدأت الخلافات والنزاعات تظهر بينهم، لكنهم تذكروا وصية والدهم التي طالما ظلوا يحترمونها، فقرروا الرجوع إلى القاضي الذي كان معروفًا بحكمته العميقة. كانوا يعلمون أن حكمته ستساعدهم على فهم التوزيع العادل للميراث.
أعدوا عدتهم من أجل السفر إليه. و خرجوا من قريتهم يَبحثون عنه ،لأنه كان يقيم في قرية بعيدة عنهم.
سافر الأربعة إلى قرية القاضي، فواجهوا عدة مواقف غريبة في طريقهم إليه سنسردها في هذا المحور.
الأحداث الغريبة في الطريق:
قبل أن يصلوا إلى قرية القاضي، مروا بتجارب غريبة في الطريق، جعلتهم يتأملون في حياتهم وفي محتويات الصناديق التي خلفها لهم والدهم:
بعد مسافة قصيرة وجدوا ثعبانًا صغيرًا يقطع طريقهم فحاول احد الإخوة أن يضربه فلم يصبه، فثار الثعبان عليهم لو لم يهرب الإخوة لقطع عليهم الطريق. تلك الحادثة أثارت تساؤلاتهم حول معنى القوة والتهديد.
أكملوا طريقهم فإذا بهم يصادفون جملين في ظروف مختلفة؛ الأول كان سمينًا ويعيش على أرض قاحلة، بينما كان الثاني هزيلًا ولكنه يعيش في أرض خضراء. هذا المشهد جعلهم يتساءلون عن معنى الرضا بالقليل والقدرة على التأقلم. فتعجبوا من هذا المشهد .
وعند اقترابهم من قرية القاضي شاهدوا في طريقهم طائر يتنقل بين السدرتين. يعني يتنقل بين شجرتين من السدر. وعندما يقف على الشجرة الأولى تصبح خضراء، بينما تصبح الأخرى جافة، والعكس صحيح. كان هذا المشهد يثير في نفوسهم الحيرة حول التوازن والاختيارات في الحياة.
كل هذه المشاهد التي شاهدها الإخوة الأربعة في طريقهم أثارت حيرتهم.
الحكمة التي أضاءت الطريق:
عندما وصلوا إلى قرية القاضي، استقبلهم الشيخ القاضي الذي كان كبير السن ولكنه بصحة جيدة وقوة، وأحسن استقبالهم. جلسوا معه فقال الاخ الأكبر يا شيخنا القاضي نحن اتيناك لحاجتنا لتحكم بيننا، لكن صادفنا مجموعة من الاحداث في طريقنا عندك ، جعلتنا حائرين متعحبين.
فقال لهم القاضي: اعرضوا علي ما صادفتموه في طريقكم أولا ومن بعد اذكروا لي حاجتكم ،واسال الله التوفيق والسداد في حلها. فسردوا له ما مروا به في الطريق. فذكروا له كل ما حدث معهم في طريقهم.
فأجاب القاضي على كل مسألة بكل حكمة :
قال القاضي بعد أن استمع إلى أحداث الطريق: "لقد مررتم بتجارب تحمل في طياتها معاني عميقة. الجمل السمين الذي يعيش في أرض قاحلة هو مثل الإنسان الذي يرضى بما لديه ويشكر الله على ما منحه. أما الجمل الهزيل الذي يعيش في الأرض الخضراء فهو يشبه الشخص الذي لا يقدر نعم الله عليه ولا يشكرها."
ثم أضاف القاضي: "أما الطائر الذي يتنقل بين السدرتين، فهو مثل الرجل الذي يتزوج امرأتين، دائمًا في حالة نزاع بينهما. فإذا رضي عند واحدة، غضبت الأخرى، والعكس صحيح. وهكذا هو الحال معه."
بعد أن استمع القاضي إلى كل ما حدث معهم، قال لهم: "إن والدكم قد قسم الإرث وفقًا لقدرات كل واحد منكم. فمن كان له السيف والخاتم والراية هو قائد القبيلة، ومن كان له الرمل والحجارة هو المسؤول عن الأراضي والممتلكات. أما من كان له العظام فهو المسؤول عن المواشي. وأما صاحب الذهب والفضة فهو الأقل حظًا، ولكن عليه أن يتعلم كيفية إدارة المال، وإذا نفد ماله سيحتاج إلى مساعدتكم. ووصيتي لكم هي التفاهم والتعاون فيما بينكم.
فهم الإخوة حكمة توزيع والدهم، ورضوا بما قسمه لهم،ودعوا لوالدهم بالرحمه والمغفره.
الرسالة من القصة:
القصة تحمل العديد من الدروس والعبر. أولها هو أهمية العدل في تقسيم الميراث بين الأبناء لضمان عدم حدوث النزاعات. كما أن التعاون والتفاهم بين أفراد الأسرة هو السبيل الوحيد لضمان النجاح والاستقرار في الحياة. فالتوزيع العادل للميراث لا يعتمد فقط على القيمة المادية، بل على القدرة على تحمل المسؤولية والوفاء بالأدوار المناطة بكل فرد في الأسرة.
الاختلافات الثقافية وتوزيع الميراث في المجتمعات العربية تتسم دائمًا بالعدل والتوازن، ويعد هذا أحد أسس استقرار الأسرة والمجتمع.
ختامًا:
نأمل أن تكونوا قد استفدتم من هذه القصة التي تعلمنا فيها الحكمة و التعاون. هذه القصة تذكير لكل واحد منا بأهمية التفاهم والعدالة في حياتنا. إذا أردتم المزيد من القصص المشوقة والمفيدة، يمكنكم متابعة قناة "حكايات عدنان" حيث تجدون العديد من القصص ذات السرد الجميل والمؤثر.
العبرة من القصة هي أن توزيع العدل والمساواة بين الأبناء يضمن استقرار الأسرة ويجنبها النزاعات.
كلمات دلالية:
العدل في تقسيم الميراث، التعاون بين الإخوة، حكمة الأب، قصة تقسيم الإرث، قصص عربية، الدروس المستفادة من القصص، العبرة من تقسيم الميراث، القيم العائلية، حكمة القاضي، التفاهم بين الأسرة.