قصة ذي القرنين ورحلة سد يأجوج ومأجوج

تعتبر قصة "ذي القرنين" من أبرز القصص التي وردت في القرآن الكريم، لما تحمله من معانٍ عميقة تتعلق بالخير والشر، والسلطة، والعدل، والصلاح. وقد ورد ذكره في سورة الكهف، حيث يصوّر القرآن الكريم هذا الرجل المُمَكَّن في الأرض، الذي جاب مشارقها ومغاربها، وواجه تحديات مختلفة بحكمة وعدل.

وكان كفار مكة قد سألوا النبي ﷺ عنه، فجاء الجواب الإلهي: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ﴾.

قصة ذي القرنين ورحلة سد يأجوج ومأجوج

فمن هو ذو القرنين؟ وما سر رحلاته الثلاث؟ في هذا المقال، نغوص في تفاصيل قصته كما وردت في القرآن وبعض الروايات التاريخية، لنكشف أبعادها الإنسانية والدينية العميقة.

  من هو ذي القرنين ؟

ذُكرت قصة ذي القرنين في القرآن الكريم في سورة الكهف، من الآية 83 إلى 101، حيث وردت في سياق ثلاث رحلات عظيمة قام بها هذا القائد العادل. وتُعدّ هذه القصة من القصص القرآنية الغنية بالعِبر والدروس، إذ تسلّط الضوء على مفاهيم لتمكين، والعدل، والتعامل مع الشعوب المختلفة. قال الله تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾(سورة الكهف: 83–84)

وقد اختلف العلماء في تحديد شخصيته: فقيل إنه الإسكندر المقدوني، وقيل إنه كورش الفارسي، وقيل إنه رجل صالح غير معروف بالاسم، وأقرب الأقوال أنه عبدٌ من عباد الله، صالحٌ ومؤمن، مكن الله له في الأرض، فحكم بالعدل وسار في الناس بالحكمة.

أما لقبه "ذو القرنين"، فقد قيل إنّه سُمِّي بذلك لأنه بلغ "قرني" الشمس، أي مطلعها ومغربها، وقيل أيضًا لأنه كان له تاجٌ بقرنين، أو أنه ضُرب على رأسه ضربتين . وهي أقوال مأخوذة من بعض روايات السلف وأهل التفسير.

وقد روي في بعض الآثار أن:"أربعة ملكوا الأرض: اثنان مؤمنان، وهما سليمان بن داود وذو القرنين، واثنان كافران، وهما النمرود وبختنصّر."

والمتأمل في الآيات يجد أن ذي القرنين لم يكن مجرد ملك أو فاتح، بل كان قائدًا مؤمنا، يسير بأمر الله، ويُقيم العدل بين الناس، ويُصلح في الأرض. فمن هذا القائد العادل، كيف كانت رحلاته الثلاث؟ وماذا واجه خلالها؟

هذا ما سنكشفه في المحور التالي.

 رحلة ذي القرنين إلى المشرق والمغرب

كان ذي القرنين قد سافر في رحلة طويلة إلى مناطق مختلفة من العالم، بدءًا من المشرق إلى المغرب. يذكر القرآن الكريم أن ذي القرنين كان صاحب سلطة عظيمة وملك كبير، وكان يقود جيشًا منظمًا للغاية، وقد بدأ رحلته هذه عندما سمع عن أناس يعيشون في مناطق بعيدة ويعانون من ظلم وفساد.

 الرحلة الأولى – إلى مغرب الشمس

في الرحلة الأولى، وصل ذي القرنين إلى مغرب الشمس، وهي المنطقة التي وصفها القرآن الكريم بأنها "عين حمئة". وهذا الوصف يشير إلى وجود مكان تتجمع فيه المياه بشكل كثيف، أو قد يكون تفسيرًا يشير إلى مكان تكون فيه الشمس على الأفق الغربي عندما تغرب. حيث تغيب الشمس في ماء وطين أمام أعين الناظرين .كما قال الله تعالى: ﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۚ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ (سورة الكهف: 86)

فلما وصل  ذي القرنين إلى مغرب الشمس، وجد أمة من الناس في حاجة إلى العون، حيث كانوا يعانون من ظروف صعبة. هؤلاء القوم لا يُذكر عنهم في القرآن تفاصيل كثيرة، لكن يبدو أنهم كانوا في حالة ضعف، وكانوا بحاجة إلى حماية أو توجيه. وهنا نرى حكمة ذو القرنين التي تجلت في اختياره للطريقة الأمثل للتعامل مع هذه الجماعة.فألهمه الله تعالى اما أن يعاقبهم إن كانوا ظالمين، أو أن يعاملهم بالحسنى ويصفح عنهم.

فقال لهم ذو القرنين: أما من كفر فسوف نعاقبه بالقتل ، وأما من امن وعمل صالحا فله جزاء أعماله الصالحة الجنة في الاخرة ، قال تعالى:﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا ۚ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾(سورة الكهف: 87-88) في هذه الرحلة، سعى ذي القرنين إلى نشر قيم الخير والإصلاح، وحاول أن يقود هذه الشعوب نحو الطريق الصحيح.

بعد أن أثبت ذي القرنين نفسه في العدال و الحكمة خلال رحلة مغرب الشمس، تأتي الرحلة الثانية ليواجه تحدياتٍ في الدعوة مع أقوام آخرين، وهو ما سلكه ذي القرنين الى موضع طلوع الشمس.

 الرحلة الثانية – إلى مشرق الشمس

 يصف القرآن الكريم أن ذي القرنين وصل إلى منطقة لا تعرف ظلام الليل، حيث كانت الشمس تشرق عليها بشكل دائم تقريبًا. قد يكون هذا المكان هو أقصى نقطة في الشرق أو منطقة تعيش فيها قوم يواجهون ظروفًا مناخية قاسية، بحيث لا يتمكنون من الحماية من أشعة الشمس القوية.

 القوم الذين قابَلهم ذي القرنين كانوا يفتقرون إلى القدرة على التواصل والفهم، كما أشار القرآن إلى أنهم "لا يَكادُون يَفْهَهُونَ قَوْلًا"، مما يعني أنهم كانوا يعانون من ضعف في الإدراك والقدرة على التفاعل مع الآخرين.

كما حكم في الاولين حكم في هؤلاء القوم، كان أمام ذي القرنين خياران كذالك: الأول هو معاقبتهم ، والثاني هو التعامل معهم بحكمة ورؤية إصلاحية. 
ثم استمر سائرا مع جنده حتى بلغ بين جبلين - يقال أرمينية وأذربيجان- وجد أمام السدين قوما لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم. ﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾
فماذا فعل ذو القرنين معهم ؟

 قصة سد يأجوج ومأجوج

أثناء رحلته، وصل ذي القرنين إلى منطقة بين جبلين، حيث وجد قوماً لا يكادون يفقهون قولًا، وسمعوا عنهم أنهم يعانون من اعتداءات متكررة من قوم يأجوج ومأجوج. كان هؤلاء القوم يطلبون المساعدة من ذي القرنين لوقف اعتداءات هؤلاء البرابرة الذين كانوا يعيثون في الأرض فسادًا. قالو( يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)

سألوا ذي القرنين عما إذا كانوا يريد دفع الجزية أو أن يقدموا له مكافأة مقابل مساعدتهم، لكنه أجابهم بأنه لا يطلب منهم إلا أن  يساعدوه في بناء السد بابدانهم وقوتهم حتى يخلصهم من شر هؤلاء المعتدين. فوافق ذي القرنين على مساعدتهم دون مقابل، واستعرض خبرته في بناء السدود. 

فقام ذي القرنين ببناء سد ضخم من الحديد والنحاس المذاب بين الجبلين، محكمًا إغلاق الطريق أمام يأجوج ومأجوج بحيث لا يستطيعون المرور من خلاله أو الخروج منه. وقد كان هذا السد يعتبر من أروع الأمثلة على العمل الهندسي في زمانه، وكان يعد بمثابة درع يحمي المجتمعات من فساد يأجوج ومأجوج الذين كانوا يجلبون الخراب في كل مكان يمرون به. 

ويأجوج ومأجوج هما قبيلتان من البشر كانتا تعيشان في مناطق نائية وشديدة الوعورة. قد وردت عدة تفسيرات وأقاويل حول هذه القبائل، حيث ذكر بعض العلماء أنهم من نسل آدم عليه السلام، ولكنهم كانوا مفسدين وفاسدين في الأرض. تشير بعض النصوص إلى أن يأجوج ومأجوج كانوا يشكلون تهديدًا كبيرًا للناس في مناطقهم بسبب قوتهم الكبيرة وشرهم.

اذا ارت معرفة اكثر عن يأجوج ومأجوج اليك هذا المقال:الرحلة الغامضة قصة سلام الترجمان الرحالة المسلم الذي وصل سد يأجوج ومأجوج

 الخاتمة

قصة ذي القرنين هي واحدة من القصص التي تحمل في طياتها العديد من العبر والدروس الحياتية. إنه نموذج للحاكم العادل الذي يسعى لتحقيق الخير للناس، حتى في الأوقات الصعبة، ومن خلال تنقله بين المشرق والمغرب، يظهر لنا أن العدل لا يقتصر على مكان أو زمان معين، بل هو من القيم التي يجب أن تسود في كل مكان.

تظهر القصة كيف أن الحكمة في الحكم والعدل في التعامل مع الناس كانا من أهم خصائص ذي القرنين. كما أن بناءه للسد يعكس القوة والصبر في مواجهة التحديات. 

اذا اردت مشاهدة الفيديو أخطر قوم على البشر :


في النهاية، تظل قصة ذي القرنين واحدة من أعظم القصص التي تظل صالحة لكل زمان ومكان.


تعليقات