قصة مؤثرة: كيف أسلم هذا المجوسي على يد الحسن البصري؟

في لحظات النهاية، حين يتوقف الزمن، وتنكمش الدنيا في عين الإنسان، لا يبقى من العمر إلا رمق، ولا من الحياة إلا صوت النفس المتقطع… هناك، على حافة الرحيل، تظهر حقيقة الإيمان، ويعلو صوت الضمير.

من المجوسية إلى الإسلام: قصة حقيقية مع الحسن البصري

فما بالك برجلٍ عاش عمره على غير الإسلام، ومات على كلمة التوحيد؟!

ما الذي حدث في تلك الدقائق الأخيرة؟ ومن الذي طرق باب قلبٍ ظلّ مغلقًا طيلة عمره؟

وهل يكفي حسن الجوار، وصفاء القلب، ليكون سببًا في دخول الجنة؟!

إنها قصة من الواقع… حكاية تروى لا لتُعجب، بل لتُهزّ بها القلوب، وتُبعث فيها روح الأمل، وتُظهر رحمة الله التي تسع كل شيء.

اقرأ، وتأمل، وتعلّم كيف كان السلف الصالح، وكيف عرفوا ربهم، وفهموا دينهم، حتى كانوا دعاة بأخلاقهم قبل ألسنتهم…

حسن الخلق مفتاح الهداية: قصة المجوسي مع الحسن البصري

في أيامنا التي تعجّ بالصراعات والضجيج، قد نغفل عن أعظم وسائل التأثير في الناس: الكلمة الطيبة، والمعاملة الحسنة، وحسن الجوار.

لكن في سطور التاريخ المضيئة، نجد مواقف خالدة تُرينا كيف كانت الأخلاق وحدها كفيلة بأن تفتح أبواب الهداية، وتغير مصير إنسان بأكمله…

تأمل هذه القصة العجيبة، التي وقعت في أواخر أيام أحد المجوس، وكيف شاء الله له حسن الختام، لا بكثرة علم، ولا بجدال عقلي، بل بدعوة صادقة، وجوار كريم من أحد أعلام السلف الصالح: الحسن البصري رحمه الله

رُوي عن الإمام الحسن البصري رضي الله عنه، أحد أعلام التابعين، وزهّاد الأمة، أنه قال:

دخلتُ يومًا على جارٍ لي من المجوس، وكان في لحظاته الأخيرة، يحتضر ويجود بنفسه، ينازع الروح، وقد أضناه المرض، وأثقلته السنون. وكان ذلك المجوسي يسكن قبالة داري، وكان حسن الجوار، كريم الخلق، سليم المعاملة، لا يؤذي أحداً من جيرانه، ولا يتعرض بسوء لأحد، بل كان مثالًا في حسن السيرة والمعشر.

فما رأيته في تلك الحال، إلا ورجوتُ الله سبحانه وتعالى أن يختم له بخير، وأن يمنّ عليه بالهداية قبل أن تغادره الروح، وقبل أن يُطوى كتابه، ويُختم عمله، ويميته على الإسلام، فالله تعالى هو الهادي، وهو القادر على كل شيء.

اقتربتُ منه، وجلستُ عند رأسه، وقلت له بلطف:

ـ كيف تجد حالك؟ وما الذي تشعر به الآن؟

فرفع عينيه المتعبتين، ونظر إليَّ نظرة من أنهكته الدنيا وأثقلته الهموم، ثم قال بصوت ضعيف، تكاد الحروف تتهاوى من شفتيه كما يتساقط ورق الخريف:

ـ لي قلبٌ عليل، ولا صحة لي، وبدنٌ سقيمٌ، ولا قوة لي، وقبرٌ موحشٌ، ولا أنيس لي، وسفرٌ بعيدٌ، ولا زاد لي، وصراطٌ دقيقٌ، ولا جواز لي، ونارٌ حاميةٌ، ولا بدنَ لي، وجنَّةٌ عالية، ولا نصيب لي، وربٌّ عادل، ولا حُجَّةَ لي.

فما سمعتُ كلامه حتى رقَّ قلبي له، وتأثرت لمصيره، وتمنيت لو أستطيع أن أفتح له باب الهداية بنفسي، لكنه سبحانه هو الفتاح العليم، يهدي من يشاء ويضل من يشاء بحكمته وعدله.

فقلت له برفق وحكمة:

ـ يا هذا، لم لا تُسلم فتسلم؟! تفز فوزًا عظيمًا.

فأجابني بصوت خافت، وقد غطت الغشاوة عينيه:

ـ فقال: يا شيخ، إن المفتاح بيد الفتّاح، والقفل ها هنا، وأشار إلى صدره، ثم ما لبث أن غشي عليه، وسقط في غيبوبة كأنها الأخيرة.

حينها، رفعتُ كفيَّ إلى السماء، وقلتُ بصدق وحرقة قلب:

ـ إلهي وسيدي ومولاي، إن كان لهذا المجوسيّ عندك حسنة قد سبقت، فعجِّل بها إليه قبل أن تغادر روحه الدنيا، وينقطع أمله، ويُغلق باب التوبة في وجهه، إنك أنت الغفور الرحيم، وأنت القادر على كل شيء.

وبينما أنا كذلك، إذ به يفيق فجأة من غشيته، وقد فتحت عيناه كأنهما تبصران لأول مرة، ثم أدار وجهه إليّ وقال بصوت قوي هذه المرة، كمن أزيح عنه حجاب:

ـ يا شيخ، إن الفتّاح أرسل المفتاح! فمدّ إليّ يمناك.

مددتُ يدي إليه، وإذا به ينطق الشهادتين نطق الموقنين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.

وما إن أكملها، حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها، وقد ختم الله له بالإسلام، وصار إلى رحمة الله الواسعة، وهو من عباده الذين يتوب عليهم في لحظات الصدق والإخلاص.

العِبَر والدروس من القصة:

ما أعظمها من قصة، وما أبلغها من موعظة! قصة فيها دلائل كثيرة على رحمة الله تعالى بعباده، وعلى كيف أن حسن المعاملة، وحُسن الجوار، والإخلاص في الدعاء، كلها مفاتيح للهداية، وأسباب للرحمة.

لقد علمنا الإمام الحسن البصري من خلال موقفه هذا كيف كان سلفنا الصالح يتعاملون مع غير المسلمين من المشركين والمجوس. ما كانوا يبادلونهم العداء لمجرد اختلاف الدين، بل فهموا الإسلام فهماً صحيحاً، فحفظوا تعاليمه، وتمسكوا بوصاياه.

فالإسلام لا يأمرنا بالإساءة إلى من لم يسيء، بل يوصينا بحسن المعاملة مع جميع الناس، ما داموا لا يحاربون الله ورسوله، ولا يعتدون على المسلمين. ألم يقل الله تعالى في كتابه الكريم:"لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"[الممتحنة: 8]

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمّن اليهود في المدينة، وعاملهم بالعدل، ولم يعتدِ عليهم حتى خانوا وغدروا.

وهذا المجوسي تأثر بحُسن خُلق الحسن البصري، وبجوار لم يرَ منه سوءًا ولا أذى، فدخل الإسلام في آخر لحظاته، متأثراً بتلك القلوب النقية والأخلاق الكريمة.

إن القلوب بيد الله، وهو وحده من يفتح الأقفال المغلقة، ويُنير الدروب المظلمة. وليس لأحدٍ من البشر قدرة على هداية الناس إن لم يشأ الله لهم الهداية. ولكننا مأمورون أن نكون مفاتيح للخير، دعاة إلى الله بأفعالنا قبل أقوالنا.

وكم من أناس دخلوا الإسلام لا بفصاحة الدعاة، بل بحسن المعاملة، وصدق التعامل، وعدالة الجوار. فالدعوة ليست فقط بالكلمات، بل بالأفعال التي تنبض بالإيمان.

وهنا نتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:"لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حُمر النَّعم"[رواه البخاري ومسلم].

أي أن هداية شخص واحد على يديك، ولو بكلمة أو دعاء أو موقف، خير لك من أعظم متاع الدنيا.

وهذا ما فعله الحسن البصري، لا بخطبة ولا بمحاضرة، بل بجوار طيب، وقلب صادق، ودعاء مخلص.

فلنحمل همّ الدعوة، لا بالصخب، بل بالخلق… لا بالجدال، بل بالرفق…

فلعلّ دعوة صادقة، أو خلق حسن، تكون سببًا في هداية قلبٍ قُفل طويلاً… حتى يفتحه الله.

خاتمة:

إن قصة المجوسي مع الحسن البصري تضع أمامنا معيارًا جديدًا في الدعوة والتعامل مع الآخرين.

الإسلام ليس شعارات تُرفع، بل أخلاق تُمارَس، وسلوك يُطبَّق. فكم من غير مسلم يتمنى أن يرى في المسلمين ما يدعوهم إلى دينهم قبل أن يسمع منهم!

فطوبى لمن كان مفتاحًا للخير، وداعية إلى الله، بسلوكه وأفعاله قبل لسانه. نسأل الله أن يهدينا ويجعلنا من عباده الصالحين الذين يُحبّبون خلقه فيه، ويكونون سببًا في دخول الناس في دينه أفواجًا.

تعليقات