قصة توبة الفضيل بن عياض رحمه الله تُعَدُّ من أعجب القصص وأبلغها في التأثير، وهي مثال على كيف يمكن أن يتحول إنسان من قاطع طريق إلى زاهد عابد من أعظم عباد زمانه. وإليك خلاصة القصة كما رواها أهل السير:
كان الفضيل بن عياض في شبابه من أكثر الناس رهبة في القلوب، لا يُذكر اسمه إلا مقرونًا بالخوف والقلق. كان يقطع الطرق ليلاً، يخرج بسكين وفأس، يتربص بالقوافل ويعطل سيرها، يشتهر بقوته وبأسه، حتى أن الناس كانوا إذا سافروا تواصَوا بقولهم: احذروا الفضيل!
بل بلغ من شهرته في الشر أن الأمهات كن يُسكتن أبناءهن بقولهن: "اسكت وإلا أعطيتك للفضيل!"، تمامًا كما يُهدَّد الطفل بالغول في القصص.
وروي عن أحد كبار السن ممن تاب الله عليهم وكان يحدث عن جاهليته، قال: "كنا نسرق البقر، ونزلنا ذات مرة في تهامة، فسمعت امرأة تقول وهي تدعو على بقرتها: (الله يسلط عليك فلانًا)، وذكرت اسمي، ثم والله ما انتهى ليلها حتى أخذتُ البقرة وسِرتُ بها إلى الحجاز".هكذا كانت دعوات الناس تلاحق المجرمين، وكان الفضيل منهم، بل رأسًا فيهم.
التحول العظيم: لحظة الهداية
وفي ليلة من الليالي، كان الفضيل يتسلّق جدار بيت ينوي سرقته. فلما بلغ السطح ونظر داخل البيت، رأى مشهدًا غيّر حياته كلها:
رأى شيخًا كبيرًا، قد أشعل سراجًا صغيرًا، وجلس يقرأ القرآن، يفتح المصحف، ويستقبل القبلة، وعيناه تفيض بالدمع من خشية الله. وكان إلى جانبه ابنته تعد له شيئًا من الطعام.
وفي تلك اللحظة، توقفت الدنيا في عين الفضيل. جلس على السطح، واضعًا يده على الخشب ينظر، ويتأمل المشهد. كم الفارق بين حاله، وحال ذلك الشيخ:
هذا يذكر الله ويبكي، وذاك يقطع السبل وينتهك الحرمات. ذلك يعيش مع نور القرآن، وهذا يعيش في ظلمة المعصية.
وفجأة، سمع الرجل القارئ يتلو هذه الآية الكريمة: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (الحديد: 16)
فكأنما نزلت عليه من السماء، فارتجف قلبه، ونظر إلى السماء وقال: "بلى يا رب، آن... قد آن يا رب!"
فنزل الفضيل، وتوجه إلى النهر فاغتسل، ولبس أنظف ثيابه، وذهب إلى المسجد، وبقي فيه يبكي حتى طلع الفجر.
من لص إلى إمام الحرمين
من تلك الليلة، تغيّر كل شيء. أصبح الفضيل من أعلام الزهاد والعباد، وعرف بصدقه في التوبة، فأصبح يلقب بـعابد الحرمين، لشدة عبادته في مكة والمدينة. قال عنه الإمام ابن المبارك في أبيات خالدة:
يا عابدَ الحرمين لو أبصرتنا .. لعلمتَ أنك في العبادة تلعبُ
من كان يخضب خده بدموعه .. فنحورُنا بدمائنا تتخضبُ
أو كان يتعب خيله في باطل .. فخيولنا يوم الجهاد تتعبُ
العبرة والعظة
إن في قصة الفضيل بن عياض عبرةً عظيمة:
* لا تحكم على أحد قبل خاتمته.
* باب التوبة مفتوح مهما كانت الذنوب.
* القلوب بيد الله، يقلبها كيف يشاء.
وان الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة، لأن رسول الله ﷺ قال في الحديث الصحيح: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" (رواه البخاري ومسلم)
لذا، وجب أن ندعو الله دوماً: "يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك."
أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء فإن الإنسان قد يعمل بالمعاصي دهرا طويلا ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره .
فإن قال قائل : ما الحكمة في أن الله يخذل هذا العمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ؟
فالجواب :
إن الحكمة في ذلك هو أن هذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة إنما يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإلا فهو في الحقيقة ذو طوية خبيثة ونية فاسدة , فتغلب هذه النية الفاسدة حتى يختم له بسوء الخاتمة نعوذبالله من ذلك . وعلى هذا فيكون المراد بقوله " حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع " قرب أجله لا قربه من الجنة بعمله .
💬 من أقواله المؤثرة:
- "إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم، قد كبلتك خطيئتك."
- "خصلتان تقسيان القلب: كثرة الأكل، وكثرة النوم."
- قصة عزير: الرجل الصالح الذي أماته الله مئة عام ثم بعث